المطبخ الكويتي

منذ البداية و انا اهتم بالطبخ كانت لي اللعبة المفضلة في بقايا القدور الصغيرة و الاواني التي لا تستخدمها والدتي فأخذت من المنزل زاويه لاحاكي ما كنت أشاهده و اشعر انه هويه لسيدة المنزل عشت في منزل يعشق الطعام و يميزه ، حيث ان جدتي تميزت بالجريش الكويتي و ورثت ذلك تباعا الى امي فحين تذوقه حتى و ان كان بين اطباق عديده كان يميز انه جريش امي ، في تلك الاثناء شعرت و كأن أطباق الطعام نياشين فخريه تكافأ عليها المرأه . لم تتميز فقط في ذلك الطبق و انما في جميع الاطباق فكما يقال والدتي نفسها حلو في الطبخ و الحمدلله اني اخذت من ذلك نصيب . كما أننا تربينا و نحن نستمع للااستاذه فاطمه حسين و برامجها فهي اول من وثق المطبخ الكويتي في كتاب حتى اصبح من ضمن الحاجيات المهمه للمبتعثين خارج البلاد.

استمر ذلك الاهتمام الى ان وصلت لمرحلة الماجستير فكانت رسالتي عن الطعام بعنوان " عندما يصبح الطعام هوية : الابعاد الثقافية في افلام الأنمي – هاياو ميازاكي " جانبا منه كان امتدادا لحبي للطعام و اعداده و جانبا اخر بارتباطنا في افلام الانمي التي كنا نشاهدها في طفولتنا و تفاصيل تجهيز الوجبات و تنوعها ، و ثالثا ثراء الثقافة اليابانبة بذلك الامر . من هذا المنطلق ازدادت غيرتي على ثقافتنا و اصاله المطبخ الكويتي و البحث بين أسطره على العديد من القيم و التنوع و التطور و التذوق العالي الى ان كان بين يدي كتاب فريد للمطبخ الكويتي بعنوان " المطبخ الكويتي تراث و تاريخ شعوب " للأستاذه سعاد راضي ، ذلك الكتاب فتح افق جديده و امل كبير في ان تُرى اطباق الطعام كتاريخ و هُوية في المطبخ الكويتي .

من هذا المنطلق كان للمطبخ الكويتي اهتماما كبيرا و بابا يصل لمشاعري و صوره لهُويتي الثقافية اردت ان يبقى ثابتا و موثوقا بأي شكل من الاشكال لأنقل به للعالم عن تلك الزوايا البسيطه التي كانت في البيوت القديمة والتي اطعمت افواها كثيرة من الاسر و الضيوف تلك الزاوية التي صنعت سيدات حملوا على صدورهم كل نياشين الحب و التقدير. لذلك سأتحدث عن المطبخ الكويتي من قلبي قبل عقلي ، و سيُرى المطبخ الكويتي بعين مختلفة تمام عما تعودنا عليه.

كان لمرجع " البيت الكويتي القديم جمع مادته محمد الخرس و مريم راشد العقروقه ، 1999 م " الفضل الكبير لتكوين تصور واضح عن اجزاء المنزل الكويتي القديم و خصوصا في تفاصيل المطبخ الكويتي و الذي ساعدني في اعاده تصور تلك الاماكن المحمله بالذكريات.

تاريخ المطبخ الكويتي و ادواته :

حظى المطبخ الكويتي مراحل متعددة الى ان وصلنا الى ما نحن عليه في الوقت الحالي ، و ذلك مرتبطا بشكل أساسي بتصميم المكان و الأدوات الى توفر المواد الغذائية ومنكهاتها.

التصميم المعماري للمطبخ الكويتي:
يتكون المنزل الكويتي من عدة احواش ( مساحات مكشوفة و يحتوي على اجزاء مبنية ) منها حوش الديوانية و هو حوش مخصص للرجال فقط ، و حوش الحرم اي حوش الاسره ، و ( ذاك الحوش ) هو المكان المختص للمطبخ و ما يتبعه من مرافق مثل مكان مخصص للحيوانات و غرفه لهم للمبيت في فصل الشتاء و (دار الكيل أو الجيل ) ( غرفة تخزين المؤن و المواد الغذائية )، و غرفة الوقود ( غرفة مخصصة لتخزين المواد المستخدمه كوقود) و ساحه ترابية يكون فيها بالوسط البئر (الجليب) و بالوعه الزاد . و سأتطرق لتلك المرافق بالتفصيل لاحقا ، و لكن بداية سنتحدث عن حجرة المطبخ.

حجرة المطبخ :

مكونه من غرفة طولها 3 امتار في عرض 3 أمتار بها فتحة مربعه للتهوية و لدخول الضوء في الصباح ، و تحتوي على ( مركى) أو أكثر ( و هو قاعدة من عدد 3 احجار أو طين مرتفعه عن الارض ) لوضع القدرو عليها و اشعال النار . و على الجانب تخت خشبي تقريبا بقياس طولي مترين أو مترين و نصف و إرتفاع 50 سم ، و عرض 90 سم ، و كان يوضع في المطبخ او خارجه لتصف عليه اواني الطبخ بعد غسلها .

و هناك ايضا كبَت (دولاب) صغير له درفتين (بابين) لتخزين البهارات و القدور و الملاليس (ملعقه كبيرة مخرمه ) .

تخت المطبخ :

هو كالطاوله الصغيره مصنوعه من الخشب تتراوح ابعاده تتراوح تقريبا بين مترين و مترين و نصف طولا و 80 سم و 90 سم عرضا ، و 50 سم ارتفاعا . يوضع بالمطبخ او خارجه ،تصف عليه الاواني بعد غسلها لتجف .

كبت المطبخ :

هي خزانه من خشب عادي ذو مصراعين يغطي القسم الاعلى منها شبك معدني يسمح بالتهويه و لا يسمح للحشرات بالدخول الى الداخل بإرتفاع متران ، و عرض متر تقريبا ، و عمق 50 سم . يوضع فيه بعض الطعام ا لذي يحفظ اضافة الى البهارات و بعض ادوات المنزل و المطبخ .

الموقد :

وهي عباره عن حفره تحيط بها ثلاثه من الحجاره مغطاه بالطين . و في اللغه الموقد و المستوقد هو موضع النار ، و الموقدة : هنَةٌ تعمل من حجر و طين توقد فيها النار للطبخ و غيره . يوضع بينها الحطب و و الحمض و غيرها من المواد التي ذكرت كوقود و تشعل النار بعد وضع القدر عليها .

و هناك عدة ادوات مرتبطه بالموقد و هي :

المحراث :
و هو قضيب من الحديد يكون عاده يكون بجانب الموقد أو الكانون و يستعمل لتحريك النار تحت القدر . و باللغه المحرث و المحراث هو ما تحرك به نار التنور .

المنقاش :
ملقط حديدي يستخدم لالتقاط الجمر أو الخبز من التنور ، و هو من لوازم المطبخ و كان الحداد يصنعه على اشكال و بأطوال متعددة .

المنفاخ :
هو آله يدويه تستخدم لنفخ الهواء على النار للمساعدة في ايقادها ، و له شكل بيضاوي ينتهي بأنبوب يندفع منه الهواء و هو مكون من جزئين متطابقين يصل بينهما جلد قابل للشد و الارتخاء حتى يساعد على دخول الهواء و دفعه مره اخرى ، و عادة ما يزين بالدبابيس الذهبية او الفظيه على اشكال متعدده منها النجوم و الورود .

البيز :
هو عباره عن قطعه من القماش صغيره مربعه الشكل تكون سميكه أو مبطنه بالقطن تستخدم تخاط باليد أو بماكينه الخياطه و ذلك للامساك بالقدور الساخنه و كذلك يستخدمها صباب القهوه حيث يمسك بها الدله . و يتفنن الناس بألوانه و نقوشها .

المركا :
هي عباره عن طوق حديدي مستدير ينصب على ثلاثة ارجل او اربعه ، توضع فوقه القدور و الاباريق و تشتعل تحته النار . و كان يصنع بأحجام مختلفه حسب حجم القدور.

التاوه :
هي صفيحة من الحديد السميك مستديره و محدودبه الشكل ، لها عروه تعلق منها على الجدار بعد الفراغ من استعمالها ، حيث توضع على مناصب ترفعها من الارض و تحتها يتم اشعال النار لتسخن و تصبح جاهزه لمد العجين عليها لصنع خبز الرقاق او خبز البلبل – هو نوع من الخبز الابيض رقيق تخلط عجينته مع السكر و يرش بماء الزعفران عند اقتراب نضجه – و هناك انواع اخرى من التاوات تستخدم لتحضير خبز الصبيب و هو عباره عن اقراص صغيره تشبه البان كيك حاليا توضع بالدبس او معقود السكر.

المدسامه :
قطعة من القماش تُصر فيها بعض قطع الشحم ثم تمسح بها التاوه بعد ان تسخن و قبل مد العجين حتى لا يلتصق .

جوله ( تنطق جيم فارسية) :

و هو موقد صناعي متعدد ا لانواع و الاحجام يشتعل بالكيروسين ( الكاز) و اداه الاشتعال كانت عباره عن فتيل قطني سميك ينتهي في خزان الوقود ، فإذا أشعلت تعطي نارا ذات حراره عاليه ، و تستخدم للطهي الطعام و ذلك قبل ان تنوجد جوله الغاز و الكهرباء .

بريمز (بريموس) :

هو عباره عن موقد نحاسي متفاوت الاحجام ، و يتكون من خزان للكيروسين ، و المثبت على جوانبه ثلاثه مناصب تعلوها شبكه من المعدن يوضع عليها الوعاء المراد تسخين ما فيه . في جانب الخزان فتحه تخرج منها مضخه ضاغطه للهواء الذي يدفع الكيروسن عبر انبوب تصل الى رأس الاشتعال تحت الشبكه المعدنية ، و عندما تخف شعلته نتيجه احتباس الكيروسين كانوا يعمدزن الى ادخال ابره خاصه اسمها ( ارة بريمز) في عين الاشتعال ثم اخراجها فسرعان ما تعود الشعله قويه ، و كان يستخدم غالبا لتسخين الماء .

دار الكيل :

اتت تسميه هذه الغرفة من الكيله (تنطق جيم فارسية) و هو عباره عن وعاء تكال به الحبوب و نحوها و تستخدمها المرأة في تحديد ما يحتاج اليه اهل البيت من عدد كيلات الارز في الوجبة الواحده و يكون من النحاس او الالمنيوم او احد العلب الفارغه . بالنسبه لما توارثته امي عن جدتي و توارثناه نحن منها كانت علبه الاناناس الملعلب و من ماركه معينه لاتُقبل سواها نكيل بها الارز و تكون متواجده دائما في يونية العيش ( اي خيشه العيش ) المصنوعه من الجوت – الجوت هو الياف طبيعية يتم استخراجها من نبات الجوت في المناطق الاستوائية و يمر التصنيع بعدة مراحل – او في كيس الطحين او العدس فيعتبر هو المقياس المعتمد لربة البيت .

لقد سمعت العديد من القصص المضحكه و المحزنه عن هذه الغرفه و خصوصا في بيت الحموله ، و ذكرت تلك الغرفة في العديد من الحزاوي الكويتية القديمة . فقد كانت الخاله او ربه البيت تقوم بقفل تلك الغرفة و تعليق المفتاح في رقبتها حرصا على ان لا يدخلها احد و يسرف في استخدام المؤن الموجوده بل ان الامر اكثر من ذلك ، كان هناك في هذه الغرفة صندوق خشبي يعرف "بسحاره الكيل" - ( في اللهجة الكويتية تحول الكاف الى جيم فارسية بحيث تلفظ مثل CH باللغة الانجليزية و يرسم احيانا ج مثل سحارة الجيل) – في هذا الصندوق الذي يتواجد في بعض البيوت ، و هو صندوق خشبي كبير و عميق يتراوح طوله بين متر و نصف الى ثلاثة امتار تقريبا ، و له غطاء بقفل يحتوي غالبا هذا الصندوق على التمر و الطحين و الملح و السكر و الدهن و البهارات و بعض ادولت المطبخ و المواعين الاخرى التي لا تستعمل كل يوم وطبعا يكون المفتاح مع ربه البيت و ان زاد حرصها على هذا الصندوق من الممكن ان ينتقل الى غرفة النوم .

من الممكن ان تخزن ايضا في تلك الغرفة بعضا من اعلاف الحيوانات المتواجدة في حوش الغنم ، و التمر المعبأ في "قله" و هي مصنوعه من سعف النخيل (الخَصَف) توضع فوق بعضها البعض و في بعض الاحيان يتقاطردبس التمر منها و يكون على الارض مما يجعل تلك الغرفة مكانا مناسبا لبعض الداب و القوارض ، مما جعله مكاناً مخيفا للبعض ، كما يوجد بها خياش الارز و البقوليات .

حجرة حفظ الوقود :

وهي حجره لحفظ مواد الوقود المستخدمة في المطبخ ، وتعد النخله من الاشجار الشائعة في الخليج العربية و الكويت كذلك و كان لايرمى منها اي شيء من ضمنها المواد التي تستخدم كوقود لاشعال نار الطبخ مثل :

الكَرَب :
و هو رؤوس سعف النخل ، و الكرب في اللغه أصول السعف الغلاض العراض التي تقطع معها ، و واحدته " كَرَبَة" .

الليف :
هو الالياف الخشنة البنية التي تنمو حول السعف في رأس النخله ، و يستخدم في العديد من الاشياء غير الوقود فمنه تصنع الحبال .

السعف :
هو جريد النخل مع الخوص و السعف جمع سعفه ، و السعفه قبل ان تجف تنقسم الى عدة اقسام ، و هي الجريد او الكافود و هي السعفه بكاملها حين ينزع منها الخوص و الشوك و مفردها جِريده و هناك لعبة شعبية للأولاد تسمى كافود و ذلك لانه المادة الاساسية من صنع تلك اللعبة . اما الجزء الثاني فهو الخوص ، و الكرب ، و الشوك ، و الليف . و يسميه اهل البادية بالعسيب و جمعها عُسب و عُسبان و هي تسمية عربية فصيحه . و كان جريد النخل يجلب من البلدان المجاوره بالسفن جافا و يتخذ وقودا

الحمض :
وهو كل نبات ينبت في فصل القيظ و فيه ملوحه و له انواع عده من ضمنها ( الرمث – القُلاًّم – الأثل – العَراد – الشِنان - العرفج ) منها شجيرات صغيرة إبريه الاوراق . كان بعض البدو يقومون في بإحتطابها و حملها الى المدينه على حميرهم لبيعها . و كانت تمتاز بإستغراق اشتعاله مده طويله و حراره عاليه .

الفحم
و هو خشب محروق بصوره جزئية ، كان يجلب من الخارج الى الكويت ليستعمل في التدفئة في فصل الشتاء ، يتحول عند احتراقه الى جمر . و كانت تجارة الفحم في الكويت رائجة حتى انهم جعلوا له سوق خاص يعرف بـ "سوق الفحم" يقع خلف سوق " واقف" ، و كان يباع بالخيشه .

القُرم
و هو خشب يقطع من الاشجار و يجلب من الخارج و يتخذ وقودا بعد قطعه الى اجزاء صغيره.

الكاز
و هو مادة الكيروسين و ذلك قبل اكتشاف النفط كان يجلب بصفائح مصنوعه من التنك من الهند ثم من عبادان . كانت تباع تنكات الكاز من مستودعات تسمى " كازخانه" و هي كلمه فارسية تعني كاز و هو الكيروسين و خانه هي البيت اي " بيت الكاز" . و منها تباع بعد ذلك الى المستهلكين. استخدم الكاز في البداية على الاضاءه و المساعدة في اسعال الحطب ، ثم استعمل في البخاري (نوع من المدافيء ) و الموقد الصناعي و كانت منه انواع متعددة تشتعل بالكيروسين و تسمى " جوله الكاز" و كان لها فتيله قطنية سميكه تنتهي في خزان الوقود .

الجله " اليله " :
هو بعر الجمال (روث) كان يجمع اكياس الخيش و تباع في ساحه الصفاه و يشتريه الناس و الخبازين بشكل اكبر لاستعماله كوقود للتنور و ذلك لشدة الحراره التي تصدر عند احتراقه . و باللغة الجِلّه او الجَلًّةُ هي البعر والروث . وهناك أيضا الخثى و هو روث البقر ، كان يجمع ايضا و يجفف في الشمس و يتخذ وقودا أو سماداً للأرض . في اللغه خًثى البقر أي رمى ما في بطنه من الروث . و جمعها أخثاء .

الجليب (البئر) و بالوعه الزاد :
هي حوض من الاسمنت كان يقام في زاية الحوش التابع للمطبخ لغسل الايدي و الاواني المنزلية فيه ، فتتسرب بقايا الطعام مع ماء الغسيل الى حفره مسقوفه مجاوره عملت خصيصا لهذا الغرض حتى لا تختلط بمياه المخلفات الاخرى . و البالوعه و البلاعه و البلوعه في اللغه هي ثقب يعد لتصريف الماء ، أو قناه وسط الدار يجري فيها الماء الوسخ و الأقذار ، و الزاد في اللهجه : الاكل . و عزلت بالوعه الزاد لوحدها حتى لا تختلط بقايا الطعام مع الاوساخ الاخرى من بواليع دورات المياه المرفقه للمنزل .